في أوج التحديات العاصفة، وبين ساحة الحرب وميدان الدبلوماسية، اختار السودان طريقًا غير مألوف للنجاة من براثن الأزمات التي أرادت تمزيقه. عندما تكالبت عليه المليشيات الممولة والمدعومة من قوى خارجية، لم يكن الرد السوداني مجرد رد عسكري مباشر. بل كان استجابة ذكية متوازنة تجمع بين القوة الهادئة والحكمة الصامتة. إنها قصة السودان الذي اختار الحفر بالإبرة للقضاء على التمرد في الداخل، وفي الوقت ذاته، مد جسور الدبلوماسية والمورد مع ذات الدول التي كانت جزءًا من اللعبة
.الحفر بالإبرة:
استراتيجية الصبر والترويض:بينما كان البعض يتوقع من السودان رد فعل قوي وفوري، جاءت استراتيجية الحفر بالإبرة لتُظهر وجهًا مختلفًا للقوة. استبدل السودان المواجهة المباشرة والشرسة بالصبر والتكتيك المتقن. هنا لم تكن القوة في السرعة، بل في المثابرة، وكما يحفر المرء بإبرة دقيقة في صخر صلب، هكذا تم ترويض التمردات المسلحة.كانت هذه الاستراتيجية تعتمد على إضعاف العدو شيئًا فشيئًا، حتى تنهار قواه من الداخل دون الحاجة إلى تدمير البلاد. وكما يُقال، “من يحفر بإبرة، يعرف أن الزمن هو السلاح الأقوى”. السودان كان يعرف جيدًا أنه ليس في حاجة إلى مواجهة مفتوحة تُرهقه، بل إلى خطوات مدروسة تحقق النصر دون تكلفة كبيرة.
الجسر والمورد:
احتواء الأعداء بدلًا من تدميرهم:وفي الوقت الذي كان البعض يتوقع من السودان قطع العلاقات مع الدول الداعمة للمليشيات، مثل الإمارات وتشاد، جاءت المفاجأة. السودان، وهو في قلب معركة الدفاع عن سيادته، لم يُغلق أبواب الحوار. بل طبق استراتيجية الجسر والمورد، تلك الاستراتيجية التي تقوم على مد الجسور بدلًا من بناء الحواجز. فبينما كان يكسح التمرد في الداخل، كان السودان يبني علاقات مع تلك الدول، متجنبًا القطيعة والعداوة طويلة الأمد.بدلًا من الانتقام أو فرض العزلة، اختار السودان الاحترام المتبادل وتفعيل أدوات القانون الدولي، واضعًا نصب عينيه أهمية المستقبل.
السودان أدرك أن الدول التي قد تكون خصمًا اليوم، قد تصبح شريكًا غدًا، وأن في السياسة الدولية لا توجد عداوات دائمة، بل مصالح متغيرة. ولذا، وبدلاً من أن يحرق الجسور، عمل على الحفاظ عليها. فالسياسة هنا لم تكن مجرد ساحة حرب، بل ساحة للتفاوض والتحالفات الذكية.
الدهاء السياسي:
ترويض الخصوم بالحكمة:السودان، الذي عاش في قلب الأزمات، لم يسعَ إلى تحقيق نصر عسكري فقط، بل ركز على ترويض خصومه. هذا الترويض لم يكن عن طريق القوة الغاشمة، بل عبر الحكمة السياسية. في الوقت الذي كان فيه يحافظ على كرامته في الداخل، كان يعمل على إدارة علاقاته الخارجية بمرونة بالغة. الإمارات وتشاد، اللتان دعمتا المليشيات في البداية، سرعان ما وجدتَا أن السودان لا يسعى لتدميرهما، بل لتوجيه العلاقة نحو مسار جديد يقوم على التعاون والاحترام المتبادل.بهذه الخطوة، استطاع السودان أن يمسك بزمام المبادرة. لم يقع في فخ الردود الانفعالية أو قطع العلاقات، بل استخدم ذكاءه السياسي ليضمن أن تظل هذه الدول في دائرة التعاون، مع الاعتراف بحق السودان في الدفاع عن سيادته.الرسالة الوطنية: كيف تصنع الأزمات أبطالًا؟هذا المزيج الفريد بين الصرامة في الداخل والمرونة في الخارج يحمل رسالة واضحة لكل سوداني. السودان، رغم كل ما تعرض له، لم ينحنِ، بل استخدم الأزمات لصقل قوته وبناء علاقاته على أسس جديدة. وكما أن الأزمات تختبر صلابة الحديد، فإنها تختبر أيضًا قدرة الشعوب على الصمود والإبداع. السودان اليوم ليس ضحية للأزمات، بل صانع فرص جديدة من قلب التحديات.إعادة تعريف النصر: البناء من الأنقاض:النصر في الحروب لا يعني بالضرورة سحق الأعداء، بل القدرة على تحويل الأعداء إلى حلفاء، وتحويل الدمار إلى فرص. السودان أعاد تعريف النصر من خلال استراتيجياته المتوازنة. فبينما كان العالم يترقب انهياره، كان هو يبني جسورًا للمستقبل، ويستخدم موارده بحنكة لصياغة واقع جديد.السودان لم يسعَ إلى عزلة دولية أو انتقام من خصومه، بل حافظ على سيادته واحترامه للقوانين والمعاهدات الدولية، ليصبح نموذجًا في إدارة الأزمات وتحويلها إلى فرص للتنمية والعلاقات الدولية المتينة ..
.أصل القضية :
ترويض العواصف وبناء الجسورقصة السودان في السنوات الأخيرة هي قصة أمة قررت أن تتعامل مع أعدائها بذكاء ومرونة، بدلاً من الصدام المباشر. إنها قصة وطن يواجه أزماته بإبرة دقيقة تبني طريقًا مستدامًا نحو الاستقرار. السودان، في مواجهته للتمرد وحفظ كرامته، لم يغلق أبوابه أمام الحوار، بل بنى جسورًا تعيد تشكيل علاقاته مع دول الجوار.أصبح السودان رمزًا للصمود والدهاء، وقدرته على تحويل كل أزمة إلى فرصة، وكل خصم إلى حليف، درسًا يُحتذى به في عالم السياسة وإدارة الأزمات.